"تواصلت معي كاتبات عربيات من مصر، الأردن، ليبيا، العراق، الكويت، الجزائر، اليمن، لبنان والولايات المتحدة، بعضهن اتصلن بدور النشر وبوكلائهن وينوين الشروع بإجراءات قانونية ضد دار الكتب رسلينغ"، تقول خلود خميس، كاتبة وناشطة نسوية من حيفا. تأتي تهديدات الكاتبات بمقاضاة دار النشر في أعقاب اصدار كتاب "حرية"- مجموعة قصص قصيرة لكاتبات من العالم العربي ترجمها إلى العبرية د.ألون فراجمان.
وكان من المفترض بأن يتم عرض الكتاب في حدث خاص في بداية شهر أكتوبر إلى أن اتضح في الأسبوع الأخير بأن دار النشر لم تتوجه للكاتبات مطلقاً لتطلب موافقتهن على ترجمة ونشر أعمالهن بالعبرية.
"حصلت على جائزة مصر للأدب وعلى جوائز كثيرة غيرها"، تقول الكاتبة المصرية انتصار عبد المنعم. "قصصي ترجمت إلى الفرنسية، الروسية، البولندية، الأسبانية- لم أعطي موافقتي يوماً لدار رسلينغ ولألون فراجمان ليترجموا وينشروا أي من قصصي أو مقتطفات من أعمالي. أخذ قصة مني هو كسرقة أرضي وبلادي".
في مقابلة لقناة التلفزيون النهار أضافت عبد المنعم بأن رئيس اتحاد الكتاب في مصر سيقدم شكوى رسمية. خميس تقول بأن الكاتبة نجوى بن شتوان قالت لها بأنها لم تعرف عن نشر قصصها مترجمة للعبرية عن طريق دار النشر ريسلينغ وبأنها ستتوجه للمحكمة.
"الجمهور في البلاد لا يحظى عادةً بسماع صوت نساء عربيات"، تقول تسميرت هرشكو من جمعية "امرأة لامرأة" واحدى منظمات الحدث الذي كان من المفترض أن يعرض خلاله الكتاب والذي تم الغائه. "فهمت بأنني لن أستمر في تنظيم الحدث لأنه كان من الواضح لنا بأننا لا يمكن أن نقيمه وبأن ذلك يحولنا لشريكات في الجريمة. في رسلينغ يعون بأنهم لم يطلبوا اذناً ولكن ما همهم أكثر، على ما يبدو، هو اخراج المشروع إلى حيز التنفيذ".
كان من المفترض بأن تكون خلود خميس احدى المتحدثات في هذا الحدث، وقد اقتنت نسخة عن الكتاب لتعمل على مداخلتها. عندما رأت قائمة ال-45 كاتبة عربية من أنحاء العالم فكرت بأن مهمة التواصل معهن كانت معقدة بلا شك. بعد أن فحصت الأمر اتضح بأن هذه العملية المعقدة لم تجري أبداً. دار النشر أبلغت المنظمات بأنها توجهت لجزء من الكاتبات وحصلت على موافقتهن ولكنها لم تتمكن من ايجاد البقية- دون أن تفصل عدد الموافقات التي حصلت عليها أو عدد الكاتبات اللواتي تعذر التواصل معهن. خميس قامت بنشر مشاركة على الفيسبوك وخلال يومين تم التواصل مع حوالي الثلث من الكاتبات اللواتي تظهر نصوصهن في الكتاب، وجميعهن قلن بأنهن لم يقدمن موافقتهن.
المحامي يهونتان كلينجر المختص بالحقوق الفكرية يوضح بأنه بالإمكان اقتباس مقتطفات من عمل في اطار "الاستخدام المقبول والمعقول" ولكن الأمر مختلف فيما يتعلق بالأعمال الكاملة. "اذا كان الحديث عن عمل بأكمله فالاستخدام مقبول بدرجة أقل"، يشرح. "في هذه الحالة فإن استخدام العمل دون موافقة يعتبر خرقاً للحقوق الفكرية وبالإمكان الحكم بتعويضات تصل قيمتها حتى 100،000 شيكل دون اثبات الضرر أو أكثر من ذلك اذا تم اثبات الضرر."
مع ذلك، يبين كلينجر بأن قانون التجارة مع العدو يمنع مواطني إسرائيل من عقد أي صفقات اقتصادية مع دول عدو ومع بعض سكانها. في هذه الحالة "اذا كانت الكاتبات تعشن في دولة عدو ليس ن المؤكد بأنه بالإمكان التعاقد معهن باتفاقية، والأسوأ من ناحيتهن: ليس من المؤكد بأنهن يستطعن مقاضاة (الناشر)."
"هؤلاء النساء ترجمن دون معرفتهن في لغة ودولة عدو"، تقول هرشكو، "ولا نعرف ما يمكن أن تكون انعكاسات ذلك على حياتهن اذا كشف الأمر. من الممكن بأن ينظر اليهن كمتعاونات أو بأنهن يطبعن العلاقات مع إسرائيل. لو أنهن سألهن ان كن يوافقن على الترجمة، من المحتمل بأن يعضهن على الأقل كن سيرفضن ".
بحسب هرشكو، يصر الناشر والمترجم على أنهما أرادا "اسماع صوت صرخة" الكاتبات. وهو الادعاء الذي ينعكس أيضاً من خلال المقدمة التي كتبها فراجمان للكتاب: "ليس من قبيل الصدفة بأنني اخترت التركيز في هذه المجموعة على كتابة النساء فقد أسكت صوتهن على مدى سنين طويلة"، يكتب فراجمان بينما يستعرض قصصاً لنساء لم يطلب اذنهن لنشر أعمالهن ولم يكن ليعطينه هذا الاذن. "ليس لديهن حق الاختيار"، تقول هرشكو، "هذا الحق الأساسي أخذ من هؤلاء النساء".
"إنني اعتبر هذا الأمر اعتداءاً صارخاً على حقوقي ككاتبة وروائية وقاصة فلسطينية رصدت حروفها لقضيتها الأساس فلسطين، ومحاولة رخيصة لتشويه قلمي ومسيرتي النضالية.."، هذا ما ورد على لسان الكاتبة سلوى البنا، "من هنا ومن خلال إيماني بقضيتي وبموقعي النضالي وكوني جزءاً لا يتجزأ من حملة المقاطعة لكل أشكال التطبيع، أعلن رفضي لهذا التعدي الصارخ على حقوقي الفكرية، وعلى شخصي كمقاومة ومناضلة..".
وأكدت الكاتبات بأنهن كن سيرفضن لو تلقين طلب لنشر قصصهن. فالنشر بالعبرية من خلال دار نشر إسرائيلية، كما تكتب البنا، يعتبر من جهتها جزءاً من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الأمر الذي تعارضه بوضوح. وفي حين يكتب المترجم ألون فراجمان في مقدمة الكتاب بأنه يسعى إلى اسماع صوت الكاتبات، فقد تجاهل هو ودار النشر رسلينغ بأن صوتهن يشمل كذلك رفضهن للنشر.
في بيان اتحاد الكتاب المصريين الذي يعارض هو الآخر تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قيل بأنه سيتم فحص الشكوى التي تقدمت بها الكاتبات، وبأن الاتحاد لن يتوانى في الدفاع عن حقوقهن التي خرقت. كما أضاف البيان بأنه في حال اثبت بأن النشر كان بموافقة احدى الكاتبات فسيتم اقصائها من الاتحاد.
اتحاد الكتاب العرب أصدر بياناً هو الآخر بحسبه: "هذا الأمر لن يمر مرور الكرام، فسوف يتحرك الاتحاد العام من خلال قنواته الشرعية لوقف هذه القرصنة الإسرائيلية..". رئيس الاتحاد، الشاعر حبيب الصايغ من الامارات، عاد وأكد على الموقف المعارض للتطبيع وأثنى على الكاتبات اللواتي رفضن النشر.
إلى ذلك فقد اتضح في وقت لاحق بأن تصميم الغلاف تضمن هو الآخر على خرق للحقوق الفكرية. حيث يعود الرسم الذي يظهر على غلاف الكاتب للرسام اللبناني حسن بليبل الذي نشر بياناً قال فيه بأن أحداُ لم يتصل به ويطلب اذنه لاستخدام عمله. خلافاً للكاتبات اللواتي ذكرن بأسمائهن، لا يظهر في الكتاب أي ذكر لبليبل بل فقط لاستوديو التصميم الغرافيكي الذي عمل على تصميم الغلاف. الرسم نفسه لا يحتوي على اية موتيفات ذات علاقة بالأدب العربي: الحديث عن رسم انجز بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير، وليس من الواضح لماذا اختارت دار النشر بالذات عملاً لفنان عربي لم يكن ليعطي موافقته على استخدامه..
يتضح كذلك بأن فراجمان نشر عام 2012، في دار النشر رسلينغ كتاب "نمر من ورق"، مجموعة قصصية للكاتب السوري زكريا تامر- وأيضاً في هذه الحالة لم يتم الحصول على موافقة الكاتب لترجمة ونشر أعماله.
في أعقاب النشر في موقعنا، "همكوم هخي حام"، يوم الأحد (9.9) نشرت كلية دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون حيث أشرف فراجمان على برنامج دراسات الترجمة، بيان توضيح واستنكار رسمي ذكرت من خلاله بأن فراجمان "درس في الكلية بالماضي ولكنه لم يعد عضواً في هيئة التدريس وليس له أية علاقة بالكلية". وأضاف البيان بأن الملكية الروحانية على الأعمال الأدبية التي ترجمت في كتاب "حرية" تعود للكاتبات "ولا يحق لأي شخص أو جسم بأن يقوم باستخدامها دون أذن. الحقوق الفكرية هي قوت عالم الانتاج والفكر وخرقها هو عمل خطير وممنوع بحسب القواعد الأخلاقية وبحسب القانون".
مشروع "مكتوب" الذي يعمل برعاية معهد فان لير، وهو عبارة عن سلسلة كتب تعني بترجمة الأدب العربي إلى العبرية، أصدر بياناً رسمياً صرح فيه: "نعي جيداً التحديات التي ينطوي عليها عمل الترجمة وكذلك التعقيدات التي قد يواجهها كل من يحاول العمل مقابل كتاب من العالم العربي. مع ذلك، فنحن لا نرى بأن هناك أي تبرير لترجمة نصوص دون الحصول على موافقة كاتبيها. ولهذا السبب بالتحديد، نستنكر اصدار الكتاب الذي يحمل اسم "حرية" والذي يحتوي على نصوص لكاتبات من العالم العربي تمت ترجمتها دون الحصول على حقوق للنشر".
هيئة مكتوب مختلطة وتجمع مهنيين عرب ويهود، وتواظب على وجود أغلبية عربية وسط أعضائها. وقد كانت قد نشرت كتاباً للكاتب السوري زكريا تامر ولكن، خلافاُ لرسلينغ، فقد تم النشر في مكتوب فقط بعد الحصول على موافقة تامر، العملية التي استغرقت بحسب عبد الحليم، عضو الهيئة، حوالي السنة. "ليس من المفترض بأن تقوم دار النشر بإصدار كتب بدون حقوق. لقد حصلنا على العديد من الكتب الجاهزة ولكننا لم نوافق على اصدارها لأنه لم تكن هناك حقوق للنشر".
المحامية عبير بكر من عكا التي توجهت لها بعض الكاتبات المصريات لتقوم بتمثيلهن قضائياً، تقول بأنه يتم فحص كافة الامكانيات في هذه المرحلة "القضائية والجماهيرية على حد سواء وبالطبع الأخلاقية". وتضيف: "الحديث عن محاضر في مؤسسة أكاديمية يعرف جيداً ماذا تعني عدم الاشارة إلى المرجع وعدم الحصول على اذن. هذه خطوة تعرض النساء للأضرار، للنفي وللطرد من الاتحاد. ونحن نعرف بأن غلطة امرأة تحاسب بعقاب مضاعف عن عقاب الرجل. لحسن الحظ بأن الاتحاد اقتنع بأن المسألة مسألة استغلال وبأن الكاتبات جميعهن لم يقدمن موافقتهن".
اصدار الكتاب هو عمل مستعلي ومستشرق، بحسب بكر. "أعتقد بأنه يجب المبادرة إلى حملة مقاطعة من قبل المستهلكين"، تقول. "برأيي، يحق لكل من قام باقتناء الكتاب بأن يحصل على بدل مادي لأن هذا الكتاب قد ولد بالخطيئة ومن خلال الاستهتار بكرامة هؤلاء النساء. ما يثير الحقن أكثر هو صمت دار النشر. معقول ليس لديكم أي رد؟".
دار النشر رسلينغ أبلغت "بأن الأمر قيد الفحص". في يوم لااربعاء (12.9) تم حجب الكتاب من موقع دار النشر.