محمد، اسم مستعار، عمره 17 عاما، يسكن بيتا جميلا وواسعا، في قرية في منطقة وادي عارة. يستقبلني والده في المدخل. يبدو قلقا. ’أرجوك.‘ يقول، "لا تسالي اسئلة قد تسبب المشاكل. ابني شاب ذكي لكنه طويل اللسان. لا أريد أن يقولوا عنه أنه يتشبه بالأشكناز." لذلك وعند لقائنا فان السؤال الأول الذي سألته كان من ماذا يخشى والدك؟ فأجابني أنه يخشى من ما سيقال في القرية. "يهمهم سمعة العائلة."
ما الذي يمكنك ان تقوله وقد يزعج اهالي القرية؟
"انه موضوع الدين. انا ضد الدين وهذا قد يزعجهم."
هل الجميع متدينين في القرية؟
"في المجتمع العربي تقريبا لا يوجد المصطلح ’علمانيين‘. هناك متدينين جدا او محافظين، وأنواع أخرى ما بينهم. وليس مقبولا الحديث ضد الدين."
هل تظن أنه من الأفضل أن تكون المقابلة تحت اسم مستعار؟
"اذا ما كان من المهم لوالدي، فنعم. رغم أنني أؤمن أنه يجب على كل شخص قول ما يفكره."
ظننت أنه ستقلقك أمور أخرى، مثل ماذا سيحدث اذا ما انتقدت الدولة بحدّة.
"كلا. لا يخيفني أن أقول أي شيء عن الدولة. انه موضوع داخلي للمجتمع العربي."
ماذا سنسميك اذا؟
"محمد، هذا أكثر اسم عربي." يضحك.
فولاخ، دبيسي، بي بي سي
نلقي نظرة على غرفته: غرفة مراهق من عائلة متمكنة. كبيرة ومليئة. على الحيطان رسومات رسمها محمد، بينها تخطيط بقلم رصاص لبار ريفائيلي. لدى كل من أخويه الأصغر سناً غرفة.
اذا ما هي مشكلتك مع الدين؟
"أكره الدين. بكل بساطة. انا ملحد ولا مشكلة لدي بالحديث عن ذلك. بحسب رأيي على الانسان أن يقول ما يفكر، طالما أنه لا يؤذي أحدا."
تلقيت تربية محافظة؟
"نعم. بيتنا بيت محافظ."
متى وكيف أصبحت تكره الدين؟
"في عامي ال15 بدأت بقراءة الكتب العلمية وبدأت افهم العالم من خلال العلوم. فهمت أن هذا السحر الذي حدّثونا عنه، بأن العالم خلق من قبل كائن ذو ذكاء خارق، هو، كيف يمكنني أن أقولها بشكل غير فظ – غير منطقي."
هل يتوقعون منك الذهاب الى الصلوات في الجامع؟
"في السابق كنت أذهب للصلاة، من أجل تعزيز الروح، ولكنني فقدت الاهتمام. لا يجبرونني بأن أذهب للجامع. لا يعاقبني أحد او ينبذني. وفي أسوأ حالة قد يقولون لي أنني سأذهب الى جهنم الا أن ذلك لا يزعجني. سأقول لك ما يزعجني في الدين. في الدين لا توجد أسئلة، فقط أجوبة. هذا يزعجني. انا أؤمن بالأسئلة. لا أحب أن يكون العالم مغلقا. أحب الفكر المفتوح."
أشعر أنني ملزمة بأن أسألك عن الصورة المعلقة على حائطك، لامرأة صدرها مكشوف جزئيا، وعن تخطيط بار ريفائيلي.
"ما المشكلة؟"
هل هو مسموح دينيا؟
"اسمعي، هناك شيئان ممنوعان دينيا، ممارسة العلاقات والكحول. والباقي مسموح."
والشباب في جيلك يحافظون على هذه القوانين؟
"أستطيع أن أقول أن لدي أصدقاء يشربون المشروبات الكحولية، وهم معروفون بأخلاقهم وبامتيازهم في التعليم."
هل الامتياز في التعليم مهم بالنسبة لك ولأصدقائك؟
"نعم. انه مهم جدا. لا مفر. من المهم النجاح ومن المهم التميز. وانا أريد أن أصبح طبيباً، أي أن علي أن أجتهد كثيراً."
في أي موضوع تتخصص؟
"بيوكيمياء. سأتقدم للبجروت فيه."
هل تخطط الذهاب الى الجامعة مباشرة بعد أن تنهي تعليمك؟
"لا، أريد أن أذهب لأرى العالم. ربما ألمانيا او فرنسا. أريد أن أتعلم الطب هناك. وقبلها أريد أن أنضم للصليب الأحمر لبضعة شهور."
ما هي هواياتك؟
"رياضة تحدي. دراجات الجبال. والقراءة."
ماذا تقرأ؟
"بعض كتب الخيال والكثير من كتب العلوم."
الأدب؟
"لا."
الشعر؟
"لفتت انتباهي عدة قصائد ليونا فولاخ. قرأت قصيدة لها تشبِّه الشهوة الجنسية بالله ما أعجبني."
هل تعلمتموها في المدرسة؟
"لا. قرأتها بمفردي."
هل تعلمتم عن الشعراء في المدرسة؟
"بياليك. الكثير من بياليك."
شعراء عرب؟
"نعم، العديد."
برامج تلفزيونية، افلام وموسيقى؟
"لا أشاهد الكثير من البرامج التلفزيونية. أحب كل الافلام. أرى الاخبار في البي بي سي وأعشق الموسيقى الكلاسيكية."
كلاسيكية أوروبية؟
"كلاسيكية أوروبية. أحب دبيسي. وايضا الروكنرول: ACDC."
ماذا عن الروكنرول الاسرائيلي؟
"لا."
مجموعة دعم، لباس موحد
ماذا تفعل مع أصدقائك في أوقات الفراغ؟
"نجلس لنشرب الكولا. نتحدث، نضحك. عموما نحن مثل مجموعة دعم."
لماذا تحتاجون لمجموعة دعم؟
"مشاكلنا في الحياة هي بشكل عام الامتحانات والأهالي، أحيانا يضغطون علينا ولا يسمحون لنا بالذهاب الى بعض الأماكن."
هل تتحدثون عن السياسة؟
"نتجادل في السياسة لمدة خمسة دقائق ومن ثم ننتقل للحياة الشخصية."
على ماذا تتجادلون؟
"عن موضوع الدين بشكل عام. لدي صديق متدين ولدي آخر خفيف ’لايت‘. ينعتونني بالكافر. لكنني تعودت."
هذا الموضوع يزعجك
"في الحقيقة لا أمانع بأن بعض الناس بحاجة للدين او يريدون الدين. والحقيقة هي أن الكثير من الناس مثلي، او قريبون الى رأيي. الا أنهم لا يتحدثون. وهو ما يزعجني. النفاق: يزعجني أن الصورة أكثر اهمية من الجوهر. يزعجني أن والداي يهتمون طيلة الوقت بما سيقولونه في القرية وبالسمعة الطيبة للعائلة. أنا أكره التدخل الدائم في الحياة الشخصية. وأنا أرفض فعل ما يفترض أن أفعل لكي أرضي الآخرين. فليذهبوا جميعا الى الجحيم. اذا كنت جيدا وكنت انسانا وغير متطفل وأحترم والداي – فكل شيء بخير."
لعل الموضوع مرتبط بسكنك في قرية او في مكان صغير، أقصد الشعور أن الجميع يتدخل
"نعم. ممكن. انه مكان صغير ولا يوجد لدى الناس ما يفعلون سوى التدخل، من الممكن أن هذه هي المشكلة. لكنني أظن أنه شيء عميق لدى المجتمع العربي. أي أن سمعة العائلة تحدد قيمتها. طبقتها الاجتماعية. أكثر من المال، أكثر من أي شيء."
كيف تقيّم وضعكم الاقتصادي؟
"وضع ممتاز."
هل يوجد لديكم في المدرسة فجوات طبقية؟
"نعم. الكثير من الفجوات. الا أن أحد الامور الجيدة في مدرستنا، عدا عن النظافة، هو اللباس الموحد. وهناك حساسية عالية للموضوع، لكي لا يؤذى من ينقصه. هذه أيضا جزء من طابع المجتمع العربي. بحيث أنه من غير المقبول التباهي بالغنى واهانة الفقير."
من أين تظن يأتي هذا الطابع؟
"لا أحب أن أقول ذلك، لكن على ما أظن من الدين. انها مبادئ أساسية في الدين الاسلامي. بالرغم من تدخل الجميع بحياتك الشخصية الا أن التدخل أحيانا ايجابي. لان الجميع يعرف عندما ينقص أحد شيء، ويهتمون بمساعدته."
ما رأيك بجهاز التربية والتعليم في اسرائيل؟
"كافي. الا أنه من الواضح غير متساوي. لا يقترب حتى للتساوي. والجميع يعلم ذلك. نشعر بذلك في كل شيء. ذهبنا مرة الى مدرسة في بيتاح تيكفا ضمن مشروع لتعليم اللغة الانجليزية. دخلنا الى صف العلوم. وكانت لديهم أحدث الاجهزة. لم أصدق عيناي. عندنا المختبر هو صف مع مجلى." يضحك، "وانا أحب المختبرات. يا ليت كان لدينا مختبر. ولكن من ناحية أخرى، وبمقارنة مع ما كنا سنحصل عليه في ليبيا او مصر او سوريا، فالوضع ممتاز."
بوظة وعنصرية
هل واجهت تمييز او عنصرية؟
"العديد من المرات، كلما خرجنا من القرية قد نواجهها. مثلا، في المطار. ينظرون اليك كأنك بن لادن. يوقفونك، يفتشونك، ولكن يقومون بذلك وكأنه شيء عادي، وكأن كل شيء عادي وطبيعي. وفي ذات الوقت يمر يهودي متدين مع عائلته وانت تعلم أن ما يحدث هو خطأ، الا أنك انت والمفتشين وعائلتك، تستمرون بالتعامل باعتياد."
تنفجر في داخلك؟
"نحافظ على الاحترام والهدوء."
هل هناك حادثة خاصة حدثت خارج القرية؟
"قبل عام، تجولنا أصدقائي وانا في تل ابيب. كنا سعداء، كانت العطلة الصيفية. دخلنا الى دكان في ديزينغوف واشترينا البوظة. أصدقائي لا يبدون عربا، وانا أبدو أكثر عربيا منهم، لذلك لم يفهم البائع ذلك عندما باعنا."
ما الأكثر عربيا بك؟
"انا أسمر منهم. ولكن وباختصار، لم يفهم البائع أننا عرباً، وفقط بعد أن باعنا تحدثنا في ما بيننا بالعربية فبدأ يصرخ أنه لا يبيع للعرب وأن العرب قذرين وما شابه وأن نرحل."
خفتم؟
"لا، لم نخف. انا لست انساناً يخاف. انا انسان يغضب. الحادثة تثير الغضب."
هل استمريتم بالتجول بشكل اعتيادي أم أن نفسيتكم تغيرت؟
"استمرينا بشكل اعتيادي."
نسيتم ما حدث؟
"لا يمكن أن ننسى هذه الأمور. هذه أمور لا تنسى أبداَ. طبعا لا. هذه أمور تصنع من انت، بعدة طرق.أنا أكره العنصرية. أي شكل للعنصرية. حتى وان أتوا اليّ وقالوا لي: ’ماذا يفعل السودانيين هنا،‘ سأقول أنها عنصرية من نفس النوع. بدل أن نعاملهم كأنهم قذرين علينا أن نحترمهم لتفضيلهم الهروب من الحرب من أجل الحفاظ على حياتهم رغم صعوبة الهروب"
هل هناك تفوهات عنصرية ضد السودانيين في المجتمع العربي؟
"لا يقولون عنهم سودانيين قذرين وأمور من هذا النوع، ولكن أحيانا يقولون أنهم لا يجب أن يأتو الى هنا."
هل رأيت والديك او عائلتك يهانون على خلفية عنصرية؟
"لحسن حظي لا. عدا عن المطار، ولكن أرى حوادث أسوأ."
هل لديك أصدقاء يهود؟
"لسوء حظي لا. تعرفت على البعض في مشاريع ضمن المدرسة. ولكن ليس أكثر من ذلك. مما يؤسفني. تحدثت مع يهود عدة مرات وكان مثيرا بالنسبة لي. بالرغم من أنه كانت لدي محادثات صعبة عن الاحتلال."
أي محادثات؟
"انسان يقول لي شيء كالتالي: ’اذا ما ضربك أحدهم ألن تضربه؟‘ فقلت له: ’أنني سأضربه لكنني لن أقصفه بصاروخ.‘ وهو ما تقوم به اسرائيل."
كومة من الاحلام المحطمة
لقد أقيمت المقابلة قبل شهر ونصف. خلال ’الجرف الصامد.‘ قال لي محمد عندها "أن من يعلم ما يحدث في غزة يعلم أنها ليست ضربات."
هل لديك معارف أو أقارب فلسطينيين؟
"لا. أظن أنه لدينا أقارب كنت أعرفهم سابقا، عندما كنت طفلا، الا أننا لسنا باتصال معهم."
في أيجيل فهمت أنك جزء من أقلية؟
"في عامي ال15 عندما خرجت لأول مرة من القرية."
كيف فهمت ذلك؟
"بسيط جدا" يبتسم، "في كل مكان عليك أن تتكلم العبرية. في كل وزارة حكومية، في كل مكان تعبيء فيه ورقة. ينظرون اليك على أنك متهم. نحن، العرب الاسرائيليين، دائما موجودون في المنطقة الرمادية. نحن فقدنا هويتنا. كل موضوع البحث عن هوية أصبح شبه مستحيل. لذلك اخترت أن تكون هويتي انسانا. تقبلت وتأقلمت بشكل او بآخر هذه الحالة. في الدول العربية يقولون أننا نصف يهود، وفي فلسطين يقولون أننا مثل اليهود وفي اسرائيل يقولون أننا ’عربوشيم‘. في أوروبا يقولون عنا أننا ارهابيين. ومن ناحية أخرى، وللحقيقة، يسعدني أنني أسكن في اسرائيل وليس في الضفة – لأن هناك الوضع هو مثل كومة من الأحلام المحطمة وفقدان الأمل."
لكن هل أعدّك والديك لهذا وكيف؟ هل حذروك؟ هل أعطوك نصائح حول كيف تتعامل خارج القرية؟
"والدي أعدني بشكل غير مباشر. لم يحذرني ولا أي شيء كذلك. قال لي أنه لا يمكن أن نطفيء النار بالنار، أي لا نجيب للعنصرية بالعنصرية. ربّاني على التسامح والتقبل."
ولكن وبعد أن التقيت بالبائع العنصري في الدكان في تل ابيب، ألا تظن أنه من الأفضل أن يعدّوك لهذه الحالات؟
"لقد فاجأني. نعم، نظرت اليه عدة دقائق،" ضحك. "ولكن في النهاية قلت لنفسي أنه عنصري، وما علمني والدي ساعدني، لأنه علمني التحمّل والتسامح، وأن لا أجيب العنصرية. لو أجبته ب’يهودي قذر‘. هل كان ذلك سيساعدني؟ قد ينتهي بشكل أسوأ. وفي النهاية علمني أبي بالضبط كيف أتعامل."
كيف تشعر اتجاه علم اسرائيل؟
أظنه أكثر علم عنصري في العالم. علم أصبح رمزاً للعنصرية والكراهية والحرب التي لا تنتهي."
هل تظن أنه واذا انتهى الاحتلال ستشعر بأكثر انتماء؟
"بالتاكيد نعم. بالطبع.من ناحيتي لا يجب تفكيك اسرائيل. يجب فصل السلطات، بحيث تكون هناك دولة لليهود ودولة للعرب ليعيش الجميع بسلام. أغار من اليهود، لأن لديهم عيد استقلال. للعرب الاسرائيليين لن يكون عيد استقلال. ولكن حاليا، وطالما استمر الصدام بين اليهود والعرب وطالما استمر الاحتلال، كيف سأتمكن من أن أتماثل مع الدولة، والتي تعتقل الناس بلا سبب وتمنع عنهم حقوقهم؟ بسهولة يمكن أن أكون انا او عائلتي مكانهم. انهم يعيشون وكأنهم في جزيرة محاطة بالمدافع. وهذا سيء برأيي."
هل ترى نفسك مواطناً متساوياً؟
"يمكنني فقط أن أتأمل. عندما أقول انني أتأمل أن أكون متساوياً، لا أقصد أنني سأكون يوماً متساوياً لليهودي الأشكنازي، الا أنني سأكون بخير."
مرة أخرى الأشكناز؟
"انا أقصد أن لديكم، اليهود، يفضلون الأشكناز. لديكم طبقات حسب الطوائف. لدينا لا توجد هذه الطائفية. نرى ذلك في الكوميديا الاسرائيلية، كيف يضحك الجميع على الجميع. أحيانا أظن أنكم محظوظون بوجودنا، العرب، والا فستقتلون بعضكم بعضا."
اذا فانت لن تكون يهودياً أشكنازياً. ماذا ستكون؟
"سأكون عربيا. لن أكون يوما مثل اليهودي وانا أعرف ذلك."
هل تشعر أنك أقرب لليهودي الشرقي من الأشكنازي؟
"طبعا. انا أتماثل مع الشرقي لأن كلانا عرب،" يضحك.
في بداية اللقاء تحدثنا عن خوف أبوك من أن تظهر ك-"أشكنازي." هل هذا مصطلح يستخدمونه في المجتمع العربي؟
"نعم، أحيانا."
ماذا يعني؟
"يعني التشبه بالغربي. وفي حالتي – معارضة الدين. تحطيم ثقافتنا. التكلم بانفتاح، انتقاد مجتمعنا بصوت عال."
أكثر تيسلا، أقل أديسون
هل تعرف سياسيين اسرائيليين؟
"نعم، ليبرمان. أكرهه."
فقط هو؟
"الحقيقة أنني أشاهد الأخبار في المحطات الأجنبية. بالأساس البي بي سي. لا أعرف الكثير من السياسيين الاسرائيليين. انا لا أشاهد الأخبار بالعبرية. توقفت عن ذلك منذ زمن طويل لأن ما يظهر فيها هو الأسى، الألم والكثير من العنصرية. ما يغضبني ويؤسفني. أسأل نفسي، لماذا؟ لماذا؟ وكل مرة أسمع عن أعمال عنصرية، مثل ’تاج محير،‘ او عن حالات عدم تأجير الشقق للعرب، أتذكر أنني أسكن هنا، وأنني قريباً سأذهب لأتعلم في جامعة جيدة لتعطيني لقباً جيداً."
تخاف؟
"لا أخاف. أشعر بالاحباط. قلت لك، انه ليس خوفاً، انه غضب. الكثير من الغضب. والاحباط، لأنني سأواجه كل هذا قريباً، قريباً جداً."
ماذا عن سياسيين يهود من الجانب المعاكس لليبرمان؟ هل تعرف أحد؟
جدعون ليفي؟ لا. انه صحفي"
من هي الشخصيات التي تراها كقدوة؟ هل من أحد تحبه؟
"أولا والدي. لأنه من عائلة متعددة الأولاد وأبوه كان فلاحاً، فلاح بسيط. ومع ذلك استطاع أن يذهب ويتعلم لعدة ألقاب ليصبح رجلاً ناجحاً. بدأ من لا شيء وبنى نفسه من الصفر."
هل تريد عائلة في المستقبل؟
"انا لا أؤمن بالزواج. بالتأكيد ليس في جيل مبكر. على الانسان أن يقوم بأمور تهمه وتطوره، لا أن يصل الى جيل يقول فيه أنه تزوج وولد له أولاد ولم يجد وقتا ليفعل أي شيء آخر. والحقيقة أنني لا أحب الأولاد بشكل عام. والأكيد أنني أريد القليل من الأولاد. من أجل أن أربيهم كما يجب."
هل فكرت في أي صفات تهمك في امرأة، لتقيم معها عائلة؟
"يهمني أن تكون متقبلة. ومتسامحة. وأن تكون متعلمة."
هل لديك شخصيات أخرى تقتدي بها؟
"نعم. هناك عالم كان اسمه نيقولا تيسلا. ولد في نفس فترة أديسون واخترع اختراع لا يقل أهمية عن أديسون (بينها في مجال الراديو، الكهرباء، الرادار واشعة الرنتجن)، ولكن في حين باع أديسون اختراعه وحصل على الثروة والشهرة، فضّل تيسلا أن يعطي اختراعه مجاناً. ومات فقيراً. وعدا عن ذلك، لا أعرف اذا ما كان يمكن اعتباره اجابة، ولكن شاهدت فيلم ’فنديتا،‘ والذي يحكي عن انسان يعيش في بريطانيا في فترة توتاليتارية (شمولية) وهو يحارب من أجل اعادة السلطة للشعب. ما أحببته في هذا الفيلم، أن شخصاً واحداً يستطيع أن يؤدي لتغيير. انا أعلم أنه ليس حقيقيا لكنني أحببت الفكرة. لطالما أثار فضولي السؤال حول اذا ما كان يمكن أن يحصل ذلك، أن يقوم انسان واحد بتغيير ضخم."
هل تفكر أحيانا بالامكانية بأن تكون انسان من هذا النوع، من النوع الذي يصنع تغييراً؟ ربما أن تذهب للسياسة؟
"انا أكره السياسة. غير ممكن. ولكن وان كانت لدي الامكانية سأتكلم عن من لا يستطيع التكلم. رغم أنني أريد أن أنجح في حياتي، وأن يكون لدي المال والاحترام، ولكن ليس فقط لأنه ضروري لكي تبقى في هذا المكان، بل من أجل أن أساعد الآخرين. لذلك أريد أن أصبح طبيباً. انه الأكثر واقعية."
أقيمت المقابلة مع محمد في بداية شهر أيار. وفي الأشهر الأخيرة منذها تحدثنا عدة مرات عبر الهاتف لاكمال تفاصيل ناقصة والتأكد من عدم وجود سوء فهم. في كل المحادثات كان محمد منفتحاً، ضحوكاً وصاحب رأي، كما ذكرته من اللقاء في القرية. في بداية حزيران، بعد عدة أيام من قتل الشاب محمد ابو خضير، وجراء أجواء الكراهية العنيفة التي اشتدت وعصفت، اتصلت به لأسأله عن كيف تمر عليه تلك الأيام. تغير حديثه. "انا بخير، شكرا." اختصر. وأضاف، ببرود "نحن أيضا قتلنا لكم." لم يضف. بعد عدة أسابيع، وفي ذروة الحرب على غزة، حاولت أن أتصل به لكن ومن دون جدوى. اتصلت بوالده. أجابني، باقتضاب. وقال أن الولد ذهب الى مالطة ليتعلم. لم يرد أن يضيف أي تفصيل.
*
بشراكة مع "كلنا"، مبادرة من أجل مجتمع عادل وتعددي